فصل: قال زكريا الأنصاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في السجود وقصة الغرانيق:

روى البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن مسعود «أن رسول اللّه قرأ سورة النجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخا من قريش (هو أمية بن خلف) أخذ كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال يكفي هذا، قال عبد اللّه فلقد رأيته بعد قتل كافرا».
وروى البخاري عن ابن عباس «أن رسول اللّه سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس».
والحكم الشرعي سجود التلاوة واجب عند الحنفية استدلالا بهذين الحديثين لأن الأمر في هذه الآية للوجوب وبه قال سفيان الثوري.
وقال الشافعي وأحمد ومالك سنة استنادا لما رواه البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت قال: «قرأت على رسول اللّه والنجم فلم يسجد فيها».
وهذا لا ينفي الوجوب لأنه عبارة عن واقعة حال إذ يجوز ترك السجود لوقوع القراءة في وقت مكروه أو على غير وضوء لأنهم كانوا يقرأون القرآن عن ظهر الغيب لا بالمصاحف تلقيا وحفظا من رسول اللّه أو أن الرسول لم يسجد ليبين للناس أن السجود غير واجب على الفور، وهذا محمل حديث عمر المروي في الموطأ من أنه رضي اللّه عنه قرأ سجدة وهو على المنبر فلما نزل سجد وسجد معه الناس ثم قرأها في جمعة أخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم، إن اللّه لم يكتبها علينا إلا ان نشاء، فلم يسجد، ومعنى هذا أن اللّه لم يفترضها كالصلوات الخمس ولم يوجبها حالة قراءتها ولو أوجبها حالا لما جاز أن يقرأها أحد عن ظهر غيب إلا وهو متوضئ.
هذا، ومن أراد زيادة التفصيل في هذا البحث فليراجع ص 414 من الجزء الأول من الهداية.
والسبب في سجود المشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ يرتل القرآن ويفصل الآي أي يسكت سكتة خفيفة بين الآيتين، ولما قرأ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} إلخ بمحضر المسلمين وقريش، ترصد الشيطان تلك السكتة فدسّ فيها ما اختلقه وهو جملة (تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى) محاكيا بها صوت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه ممن دنا من الكفار فظنوها من الرسول ورأوه قد سجد هو ومن معه من المؤمنين فسجدوا معه، سرورا بذكر آلهتهم وشاع الخبر في الآفاق حتى ان المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة أوائل سنة خمس من البعثة سنة نزول هذه السورة عادوا فرأوا الأمر على خلاف ما سمعوا فمنهم من دخل بجيرة غيره ومنهم من اختبأ ومنهم من عاد لهجرته، ولما عرف رسول اللّه ذلك حزن وضاق، فأنزل اللّه عليه مساء ذلك اليوم تسلية له وتعزية عما لحقه من الأسف قوله جل قوله: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية 52 فما بعدها إلى 55 من سورة الحج من ج 3، ومعنى تمنى قرأ، قال حسان في عثمان بن عفان رضي اللّه عنهما حين قتل وهو يقرأ:
تمنى كتاب اللّه أول ليلة ** وآخرها لاقى حمام المقادر

وقال غيره:
تمنى كتاب اللّه أول ليلة ** تمني داود الزبور على رسل

و معنى {فِي أُمْنِيَّتِهِ} قراءته كما سيأتي في تفسير تلك الآيات في محلها ان شاء اللّه، ولهذا ظن بعض المفسرين أن سورة الحج مكية والحال أنها مدنية عدا هذه الآيات، ولما تحقق عند حضرة الرسول ذلك أخبر المسلمين وقريشا بأن تلك الكلمات من الشيطان القاها أثناء سكوته بين الآيتين، أما من قال ان تلك الكلمات صدرت عن حضرة الرسول فقد أخطأ وزاغ، لأنه إذا قال تكلم بها عمدا فقد كفر لأنه يعد مادحا للأصنام التي ذمها اللّه وبعثه لأجل تحطيمها ومنع الناس من عبادتها فكيف يتصور منه مدحها؟ وإذا قال أجراها على لسانه سهوا أو غفلة فمردود لأنه لا يجوز وجود الغفلة والسهو حال تبليغ الوحي لأنه يسبب عدم الاعتماد على قوله ولأن اللّه تعالى وصف القرآن بقوله: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} الآية 42 من سورة فصلت ج 2 وقال جل شأنه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} الآية 9 من سورة الحجر من ج 2 أيضا فعليه لا يجوز أن يدخل في التزيل شيء من ذلك، وإذا قال ان الشيطان أجرى تلك الكلمات على لسان الرسول جبرا بحيث لا يقدر أن يمتنع منه فهو ممتنع أيضا لأن الشيطان عاجز عن ذلك في حق الغير فكيف في حق الرسول، وقال تعالى: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} الآية 65 من سورة الإسراء الآتية وقال: {إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} الآية 40 من سورة الصافات الآتية أيضا، إذا لم يبق الا ان حضرة الرسول سكت عند قوله تعالى: {وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى} كما هو شأنه بين الآيات فتكلم الشيطان بتلك الكلمات متصلا بقراءته فوقع عند البعض أن النبي تكلم فيها وهذا معنى الإلقاء في هذه الآية المارة الذكر من سورة الحج، ولا يخفى أن الشيطان كان زمن الرسول ومن قبله من الأنبياء صلوات اللّه عليهم وسلامه يظهر بصورة الإنسان ويتكلم ويسمع كلامه كسائر البشر كما هو ثابت في الكتب القديمة وفي حادثة قريش حينما اجتمعوا في دار الندوة للتداول في كيفية التخلص من حضرة الرسول كما سنبينه في تفسير الآية 41 من سورة العنكبوت في ج 2، وفي تفسير الآية 30 من سورة الأنفال ج 3، وقد ذكر اللّه عنه بأنه قال يوم بدر لكفار قريش {لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ}. إلخ. الآية 51 من سورة الأنفال أيضا.
وروي أنه نادى يوم أحد ألا إن محمدا قتل، كما سيأتي في الآية 122 من آل عمران في ج 3 أيضا.
أما سجود المسلمين فلم يقدح فيهم لأنهم سجدوا مع حضرة الرسول لتحققهم من حاله في ذم الأوثان وأنهم كانوا يحفظون السورة عند تلقيها منه كما أنزلها اللّه ولم يسمعوا تلك الكلمات لذلك لم يأت ذكرها في الحديثين المارين وأن ما ذكره بعض المفسرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لما تولى عنه قومه وشق عليه بعدهم تمنى أن يأتيه اللّه بما يقارب بينه وبينهم حرصا على إيمانهم وأنه لما قرأ سورة والنجم بينهم القى الشيطان على لسانه تلك الكلمات فلا عبرة به حيث رواه عنه الكلبي وهو ضعيف جدا لا يعتمد عليه ولم يؤيده أحد من أهل الصحة ولا لسنده ثقة بسند صحيح أو سليم متصل.
ومما يدل على توهين هذه الرواية اضطراب رواتها وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها، لأن منهم من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الصلاة ومنهم من قال أنه كان في نادي قومه وآخر يقول أنه قرأها في حالة سنة من النوم، وغيره يقول أنه حدث بها نفسه، فجرت على لسانه، والبعض قال ان الشيطان قالها على لسانه أو بعض الكفرة تكلم بها أثناء قراءته حتى ظنوها منه، وبعضهم قال انه لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا اقرأتك، مما يدل على تلفيق هذه القصة ولا غرو أن كثيرا من المفسرين والمؤرخين ولعون بنقل كل غريب شاذ، لذلك فانهم ينقلون هذين النوعين بلا ترو لينقل عنهم هكذا مخالفات على حد خالف تعرف.
واعلم أن التمني ينحصر في معنيين لا ثالث لهما بمعنى حديث النفس وبمعنى التلاوة فعلى الأخير لا شيء فيه كما علمت، وعلى الأول يكون معنى تمنى خطر بباله وتمنى بقلبه ولا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة، الا أنه يستحيل وقوعه من النبي في كل ما يتعلق بأمر تبليغ الوحي بدليل ما مر من الآيات المستشهد بها أعلاه، وإذ قامت الدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن الأمة أجمعت على أنه معصوم من الإخبار بخلاف الواقع من قبل اللّه لا قصدا ولا سهوا ولا غلطا ولا نسيانا ولا خطأ، كيف وقد قال تعالى: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} الآية 3 المارة، وعلى هذا فلا يجوز ذلك عليه إلا زنديق مارق منافق خائن لا حظ له في الآخرة إلا النار، ولا نصيب له في الدنيا إلا العار هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة النجم مكية إلا قوله: {عند سدرة المنتهى} فمدني.
{والنجم إذا هوى} قسم وجوابه {ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى} وهو كاف إن جعل ما بعده مستأنفا ولا توقف عليه ذلك بدلا من {ما ضل صاحبكم} بل على {يوحى} وهو كاف.
{ذو مرّة} كاف.
ولا يوقف على {شديد القوى} لان ما بعده نعت له.
{فاستوى وهو بالأفق الأعلى} صالح.
{ما أوحي} حسن وقال أبو عمرو فيهما كاف.
{ما رأى} حسن.
{ما يرى} كاف.
{ما يغشى} صالح.
{وما طغى} كاف.
{الكبرى} حسن.
{وله الأنثى} صالح.
{ضيزى} كاف وكذا {من سلطان}.
{وما تهوى الأنفس} تام.
{ما تمنى} كاف.
{والأولى} تام وكذا {ويرضى}.
{تسمية الأنثى} كاف.
{من علم} صالح.
{إلا الظن} حسن وكذا {من الحق شيئا}.
{الحياة الدنيا} كاف.
{من العلم} تام وكذا {بمن اهتدى}.
{وما في الأرض} تام عند أبي حاتم.
{إلا اللمم} كاف.
{واسع المغفرة} تام وكذا {بمن اتقى}.
{وأكدي} كاف.
{فغشاها ما غشا} حسن ولا يوقف على شيء مما بينهما من الآيات بلا ضرورة لكن قيل انه يوقف على {وقوم نوح من قبل} وانه كاف وعلى {وأطغى} وأنه تام عند من رفع {والمؤتفكة}.
{تتمارى} تام وكذا {من النذر الأولى} و{كاشفة} و{سامدون}.
آخر السورة. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة والنَّجم مكية إلا قوله: {عند سدرة المنتهى} فمدني كلمها ثلاثمائة وستون كلمة وحروفها ألف وأربعمائة وخمسة أحرف وآيها إحدى أو اثنتان وستون آية.
{والنَّجم إذا هوى} قسم وجوابه {ما ضلَّ صاحبكم وما غوى} وقال الأخفش وغيره الوقف {ما ينطق عن الهوى} لأنَّ {وما ينطق عن الهوى} داخل في القسم وواقع عليه وهو كاف إن جعل ما بعده مستأنفًا وليس بوقف إن جعل إن هو بدلًا من قوله: {ما ضلَّ صاحبكم} جاز البدل لأنَّ أنْ بمعنى ما فكأنَّ القسم واقع عليه أيضًا وعلى هذا فلا وقف من أول السورة إلى هذا الموضع والتقدير والنجم إذا هوى ما هو إلا وحي يوحى ويصير إن هو إلا وحي يوحى داخلًا في القَسم وهو المختار عند أبي حاتم.
{يوحى} كاف.
{شديد القوى} ليس بوقف لأنَّ ما بعده من نعته.
{ذو مرَّة} كاف لأنَّه نعت {شديد القوى} ثم تبتدئ {فاستوى} كذا عند بعضهم فضمير {استوى} لجبريل وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل بالعكس وهذا الوجه الثاني إنَّما يتمشى على قول الكوفيين لأنَّ فيه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير تأكيد بالمنفصل والمعنى أنَّ جبريل استوى مع محمد بالأفق الأعلى وهو ضعيف وعليه لا يوقف على {فاستوى} ويجوز أن جعل {وهو} مبتدأ و{بالأفق} خبر.
{الأعلى} كاف.
{فتدلى} جائز.
{أو أدنى} حسن.
{ما أوحى} كاف ومثله {ما رأى} وكذا {ما يرى}.
{نزلة أخرى} ليس بوقف لأنَّ قوله: {سدرة المنتهى} ظرف للرؤية ومثله في عدم الوقف {المأوى} لأنَّ {إذ يغشى} ظرف لما قبله.
{ما يغشى} كاف ومثله {وما طغى}.
{الكبرى} تام.
{العزَّى} ليس بوقف لأنَّ {ومنوة} منصوب بالعطف على {العزى} ورسموا {ومنوة} بالواو كما ترى.
{الأخرى} حسن وقيل تام للابتداء بالاستفهام الإنكاري.
{الأنثى} كاف ومثله {ضيزى} وقيل تام قرأ ابن كثير {ضئزى} بهمزة ساكنة والباقون بياء مكانها ومعنى {ضئزى} جائرة فقراءة العامة من ضاز الرجل الشيء يضوزه بغير همز ضوزًا إذا فعله على غير استقامة ويقال ضأزه يضأزه بالهمزة نقصه ظلمًا وجورًا وأنشد الأخفش على لغة الهمز:
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تغب ** فسهمك مضؤز وأنفك راغم

{وآباؤكم} حسن ومثله {من سلطان}.
{وما تهوى الأنفس} تام.
{الهدى} كاف على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده متصلًا بقوله: {وما تهوى الأنفس} أي أبل للإنسان ما تمنى أي ليست الأشياء بالتمني بل الأمر لله تعالى.
{ما تمنى} كاف.
{والأولى} تام ومثله {ويرضى}.
{تسمية الأنثى} كاف.
{من علم} جائز.
{إلاَّ الظن} حسن ومثله {من الحق شيئا}.
{الحياة الدنيا} كاف ومثله {من العلم}.
{بمن اهتدى} تام.
{وما في الأرض} تام عند أبي حاتم على أنَّ اللام متعلقة بمحذوف تقديره فهو يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي الذين أساؤا بما عملوا. وقال السمين اللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعًا للجزاء بما عملوا.